احذروا شركات بيع الوهم

 

 

 

ناصر بن سلطان العموري

nasser.alamoori@gmail.com

 

هناك من باع بيته، وهناك من اقترض من البنك، وهناك من ضحّى بتحويشة العمر، وهناك من استلف من هذا وذاك.. حالات كثيرة راحت أموالها هباءً، نتيجة الطمع في الربح السريع، وللأسف هناك الكثيرون ممّن يبيعون الوهم على طبق من ذهب، وهناك الأكثرية مَن يصدقهم ويتبعهم من خلال نظرية "اتباع القطيع".

أتحدث هنا عن شركات الربح السريع أو كما تُسمّى بالتسويق الهرمي، فقد دخلت السوق تحت غطاء حصولها على التصاريح الرسمية من الجهات المختصة بمسميات مختلفة عن الممارسة الفعلية، وهنا تكمن "الشماعة" التي استند عليها المواطن كموثوقية.

ومن لا يعلم، تعتمد فكرة شركات التسويق الهرمي أو الشبكي على اشتراك الشخص بدفع مبلغ من خلال شراء عضوية، ثم يُطلب منه جلب أشخاص جدد ليشتركوا بدورهم، وكل مشترك جديد يحقق أرباحًا للذين فوقه في الهرم، والأرباح تعتمد بالدرجة الأولى على ضم أعضاء جدد، وليس على بيع منتج حقيقي معلوم له قيمة.

ويُدسّ الطُعم هنا من خلال الوعود بحصول الأرباح إذا جلبتَ أشخاصًا آخرين، وهؤلاء الأشخاص بدورهم يكررون نفس العملية. ومع مرور الوقت، يصبح من الصعب على الداخلين الجدد إيجاد أشخاص آخرين ليدخلوهم، فينهار النظام، ويهرب "الجمل بما حمل"، ويصيح الضحايا من هول ما خسروه جراء ما سمعوه.

وتُصنّف الدراسات المالية الاستثمار في هذا النوع بأنه ضعيف جدًا إلى معدوم، وتشير معظم الدراسات إلى أن أكثر من 90% من المشاركين يخسرون أموالهم، لأن القمة فقط هي التي تربح. وغالبًا ما تُصنَّف هذه الشركات على أنها غير قانونية في الكثير من الدول (منها الدول العربية والأوروبية)، لأنها أقرب للاحتيال المنظّم. ومن ذلك ما نصّت عليه وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار في السلطنة بقرارها رقم 105/2021 بشأن حظر البيع أو الشراء أو التداول أو الإعلان أو الترويج للسلع والمنتجات والخدمات من خلال التسويق الشبكي أو الهرمي.

ويا ليت لو أن كل من فكّر بالانضمام لمثل هذه الشركات يتحرى عن المخاطر المحتملة، ومنها خسارة المال، لأنك لن تجد بسهولة أشخاصًا يدخلون بعدك. إضافة إلى المشاكل القانونية، ففي بعض الدول يُعاقَب المنضمّون لهذه الشركات. فضلًا عن خسارة الثقة والعلاقات الاجتماعية، لأنك غالبًا ستضغط على أصدقائك وأقاربك للانضمام، وبعد ما سيحصل من خسارة سوف تفقد ثقتهم إلى الأبد.

والسؤال هنا: لمن يُوجَّه اللوم؟ هل للضحايا المشتركين بحسن نية على أمل الربح السريع المضمون وفق رؤيتهم، بعكس الاشتراك في الأسهم أو الترويج لسلعة ملموسة، جراء ثقتهم في هذا النوع من الشركات؟ أم على نشطاء التواصل الاجتماعي الذين يروّجون لها مدّعين أنها "الفرصة الذهبية" التي لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر؟

أم على الجهات الرقابية التي منحت التراخيص اللازمة لهم دون التأكد من مشروعية عملهم؛ حيث إن العديد منها يدخل السوق بمسميات غير تلك الموجودة على الأوراق؟ مع التذكير أن هذا النوع من شركات التسويق الهرمي محظور في عدد من الدول نظرًا لمشاكله العديدة.

وأين الرقابة من الجهات الرقابية الحكومية والأمنية لمكافحة غسل الأموال حول حركة تدوير الأموال لهذه الشركات، مع العلم أن هذه الأموال قد تعادل أو تتجاوز رأس مال الشركة نفسها، وهو ما يمثل علامة استفهام كبيرة؟

هذا المقال يأتي في إطار التوعية العامة للقراء، وللتأكيد على أن "ليس كل ما يلمع ذهبًا"، وفي إطار النصيحة الأخوية لنشطاء مواقع التواصل الاجتماعي: اسألوا وتأكدوا من مشروعية ما تروّجون له قانونيًا وشرعيًا، ولا تفكروا في العائد المالي فحسب، فأنتم مؤتمنون على متابعيكم من خلال مصداقيتكم.

ورسالة أخيرة لكل جهة حكومية تُشرف على منح التراخيص لمثل هذا النوع من الأنشطة: أرجو ألّا يُنظر إلى الرسوم التي تدفعها هذه الشركات مهما بلغت قيمتها، ولكن إلى مدى إسهامها في قضايا وطنية مثل التوظيف، وتحريك السوق، والمساهمة في الاقتصاد الوطني.

نصيحة أخيرة: إذا لاحظت أن المال يأتي من خلال ضم الناس، وليس من بيع منتج حقيقي، فاعلم أنك الضحية القادمة.

الأكثر قراءة